Showing posts with label العراق. Show all posts
Showing posts with label العراق. Show all posts

Friday, 4 November 2022

ليلية في سره البنزين



  .الاستاذ /نشوان ذنون عبد الله 

للتوثيق والذكرى بمناسبة إنتهاء أزمة البنزين  .


لا أستطيع أن أشكر أزمة البانزين .

نعم فبالرغم . من أنه في كل مضرة هناك منفعة .

لكن أقول هكذا نحن العراقيون . نصنع الحياة ونحن نترنح بتأثير الضربات . أزمات تتلوها أزمات . لكننا ما زلنا ننهض بالحياة من بين أشلاء الموت . و نحن تملئنا الجراح و المآسي و الكدمات . فمع كل موقف نتعلم درس . و مع كل حدث نتعلم حكمة . وهكذا نتعايش مع كل أزمة .

اليوم هو الخميس ٧ / ٧ / ٢٠٢٢ الموافق ليوم التروية من شهر ذي الحجة لسنة ١٤٤٣ هجرية .

خرجت من بيتي في الساعة الرابعة فجراً متوجهاً نحو محطة تعبئة وقود (بانزيخانة إبن الأثير ) في حي الشفاء في مدينة الموصل الحبيبة . و كُلي ثقة بأني سأكون أول الواصلين . فإذا بي أجد نفسي آخر من وصل فمئات السيارات تسبقني في الحظور بِعدَة ساعات . ففوضت أمري الى الله و إستجمعت صبري وأخذت موقعي في الوقوف قرب حديقة (دورة قاسم الخياط) فمازال أمامي طرق طويلة . متعرجة و ملتوية . كَلُعبة الدرج و الحية . في تلك الأزقة الضيقة و الداخلية (لمحلة الأحمدية) في الموصل القديمة . وماتزال الساعة في يدي . تشير الى الرابعة و الربع فجراً . و (البانزيخانة) لا تفتح أبوابها إلا بعد (٣) ساعات أي في الساعة السابعة و الربع صباحاً .

في خلال ساعات الإنتظار هذه . تعلمت درس و فهمت معنى فأردت أن أقول

لا شكر لأزمة البنزين .. التي علمتنا الصبر مجبرين على تحمل فظاعة ساعات الإنتظار الطويلة . فهذه الأزمة علمتنا على الإستيقاظ فجراً لنتنفس نسائم الفجر العذبة و نرى تباشير الصباح وهي تلوح بالأفق بلونها الإرجواني الجميل قبل أن تكتئب بسوء معاملاتنا النهارية .

لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلتنا نراقب جمال شروق الشمس و هي تستيقظ من غفوتها على أكتاف جبل مقلوب . وتنبثق بخجل من بين طيات و ثنايا البيوت العتيقة لموصلنا القديمة .

لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلتنا ننضبط في ترتيب الوقوف دون التجاوز على حقوق الأخرين و نسامح إذا ما تعثر أحدهم أو تجاوز في الترتيب .

و نصبر إمتعاضاً إذا جاء من لا يستحق ليدخل بسرعة على حساب وقتنا و بدون وجه حق .

لا شكر لأزمة البنزين .. التي وفرت بعض فرص العمل ولو قليلة لبائع الماء و بائع الشاي و بائع الكعك و بائع عربة شوربة العدس و الحمص و الصمون الحار ليجتمع عليها الصديق و القريب و الغريب بمحبة و كأنهم إخوة على مأدبة إفطار واحدة .

لا شكر لأزمة البنزين .. لأنها جعلتنا نتعرف على أصدقاء جدد و نتشارك معهم المشاعر فنسمع أحاديث جميلة و قصص مشوقة و نفضفض بأحاديث كثيرة بصدق النية و عفوية الموقف . و بما كان يعتلج في صدورنا و خبايا نفوسنا . نبوح بها لأشخاص لا نعرفهم بل نراهم لأول مرة و ربما آخر مرة .

لا شكر لأزمة البنزين .. التي حلت بعض عقد الكذب بأحاديث الصدق و الصراحة بلقاءات لم تكن في الحسبان و لم تخطر على البال .

لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلت الغني و الفقير . السمين و الضعيف . الطويل و القصير . ينتظموا في صف واحد ليتشاركوا الموقف بأفأفات خيبة الأمل على ما يجري .

لا شكر لأزمة البانزين .. التي أنقصت أوزاننا بكميات كبيرة من العرق المتصبب من أجسادنا بعد أن جعلت من سياراتنا حمامات ساونا متحركة و بأسعار مجانية . رغم وجود أجهزة التبريد التي لا تفي بالغرض (فشمسنا ملتهبة)

هكذا هم أهل العراق أهل بلدي و أهل مودتي . برغم المآسي و الصعاب و الرزايا و النكبات و تزاحم الهموم و الأزمات و إختلاف الرغبات . يخلقوا بطيبتهم جو من الألفة الصادقة بعفوية المواقف المتصلة (ولو مؤقة) بمزحة و نُكته و ضحكة و موقف و قصة و مثل . لينتصروا فيها على كآبة الساعات الطويلة من الإنتظار العقيم . في بحور واقعهم الأليم .

( أخيراً في أثناء كتابتي للمنشور و أنا في الطابور الطويل ) . كانت تراودني بعض ذكريات الطفولة و أنا أتذكر عندما كنا جميعاً نذهب الى المدرسة لإستلام نتيجة نهاية السنة كنا نخرج بمنتهى السعادة راكضين الى البيت و نحن نصرخ نجحتووووو نجحتوووو . الآن نحن نعيش نفس الموقف و المشاعر الجياشة . ولكن بعد خروجنا من (البانزيخانة) مبتسمين و نفوسنا تصرخ بإهزوجة الناجح . الحمد لله فولتوووو فولتوووو .

ملاحظة . أكملت تفويل السيارة و خرجت من البانزيخانة في الساعة العاشرة و خمسة دقائق صباحاً .

الحمد لله على الصبر الطويل ٦ ساعات نصل فيها الصين في طائرة . تم

Wednesday, 24 August 2022

جميعنا لم نشحن الموبايل .. (أسموها فاطمة)



 نشوان ذنون عبد الله 


قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلمَ. 

الكَيس منن  إتعض بغيرة و (عمل لما بعد الموت)

صدق رسول الله

و اللبيب من تعلم من (تجارب الأخرين) ..

و فهم الدرس في حينهِ و ليس بعد حييين ..


و أخيراً ..

و بعد أن مضى العمر ( إكتشفت ) بل (أدركت) أن الإنسان منذ أن (يولد) يكون معه موبايل رباني و إتصال فوري للطواريء . خاص به .. يستخدمه بلا إراده منه و لا سيطرة عليه .. و تكون قوة إتصالهِ .. حسب صفاء نفسه و نقاء سريرته و شحن همتهِ .. و ربما حسب فهم صاحبهِ و إدراكهِ و (قناعتهِ) .. بنظام و قواعد الحياة .. في الحب و الجفاء .. و الشوق و اللقاء .. مع الله سبحانه وتعالى .. و مراقبته بحب بلا خوف .. حيث يعمل موبايله بشحن دائمي لا يفتر و لا يتعب و لا ينسى .. بسبب أن الصيانة متصلة و الإدامة متواصة بالذِكر .. وربما مثل الأغلبية .. لا يعرف بوجود (موبايله) فلا يهتم لهُ .. فيتركه طوال العمر مغلق و غير (مشحون) .. و في قفص صدره مخزون و (مسجون) .. و الى نهاية العمر ربما عاطل و (مركون) .. و يجوز أن (يلمض) له (مرة) و يشعر به في (برقة) من الإتصالات المفاجئة او الغير مقصودة في كل سنوات العمر .. لا نقول ( ألو ) ولكن نقول فقط ( لقد وقع في قلبي ) أو ( أخبرني إحساسي ) بأن الأمر الفلاني سيحصل .. لذلك أسمت العرب (القلب دليل)

نعود لقصتنا ..

في أحد ليالي الشتاء الباردة من سنة ١٩٩٦ .. حيث كانت الساعة في يدي تشير الى الواحدة و النصف بعد منتصف الليل .. و الدنيا ملبدة بغيوم سوداء .. تغطي وجه السماء .. و أنا كنت وحدي في نوبة دورية ليلية .. لتفقد بعض نقاط الحراسة الداخلية .. عندما مررت من قرب (مسجد التقى) في وحدتي العسكرية .. و سمعت صوت نحيب و بكاء خافت .. و توسل و رجاء .. لا يكاد يُسمع .. يخرج كالهمس من حَرم المسجد .. حيث كان (شيخ محمد) لا يعرف النوم .. و دائم القيام و التهجد و الصيام .. و لا يفتر عن الذكر .. و الصلاة على رسول الله (طول الدَهر) .. فتسللت قليلاً قليلاً و على مهلي و فتحت الباب الخارجي لحوش المسجد و مشيت بخطوات بطيئة .. لأصل الطارمة الخارجية و أنزع حذائي بهدوء و أصل الى باب الحرم الخشبي .. و أفتحه بدون أي صوت أو ضوضاء .. و لأجد الشيخ محمد .. و هو ساجداً في الحرم و هو يبكي بحرقة .. و يتوسل بهمس و رِقة .. و يستغيث بالله سبحانه وتعالى .. فتقدمت بخطوات هادئة و جلست على ركبتيي بِقربِه .. فإذا به ينتبه لوجودي في ذلك الليل الأسود البهيم .. فقلت له بصوت هاديء . ماذا بك يا شيخي .. خير إن شاء الله .. فأشار لي بيده و مع بكائه و تنهادتهِ بالخروج .. ثم قال لي بِهَمس .. أرجوك أن تذهب الآن .. ليس هذا وقت الكلام .. فحاولت أن أواسيه بحسب علمي و فهمي و إدراكي في مثل هذه الإمور .. لكنه ألح بأدب و قال لي من الأفضل لك أن تخرج الآن و تتركني وحدي أرجوك .. فسحبت جسدي البارد .. و لملمت معه أذيال كرامتي المسفوحة في حب الله و حب رسوله الكريم صلى الله عليه و آله وسلم .. و حب الصالحين .. وفي عز ذلك البرد .. كنت ُ أحترق خجلاً من عدم فهمي للموقف .. وفي صباح اليوم الثاني في الساعة التاسعة صباحاً .. مررت من قرب (مسجد التقى) وطرقت بهدوء شباك غرفة نوم الإمام الخارجي .. لأجل السلام (العابر) .. فإذا به يبتسم و يناديني بيده للدخول .. فدخلت الى غرفة الإمام .. فإعتذر عما حدث في الأمس .. و قال .. يا سيدي الحبيب .. لقد جئت إلَي في وقت .. كان يفترض بي أن أكون به لوحدي مع ربي لا يشغلني عنه أي حديث .. فقلت له ماذا حصل الأ تخبرني فقال .. (لقد وقع في قلبي) بأن أختي سترزق بطفل .. و أصبحت والدتي في مِحَنة مع أختي .. وليس معهم أحد .. فقالت والدتي لأختي .. لو كان أخوكِ محمد معنا .. (فوقع في قلبي) ما قالت والدتي .. فإستغثت بالله سبحانه وتعالى .. ليخفف الأمر على أُمي و أُختي .. والحمد لله في الساعة الثانية فجراً .. يسر الله سبحانه وتعالى الأمر .. و ولدت أختي طفلة جميلة (أسموها فاطمة) .. فقلت له متى إتصلت بالبيت .. وقد كانت الإتصالات من البدالة الرئيسية بخطوط أرضية في مقر الوحدة .. فإبتسم ومد يده على (قَلبهِ) .. فلم أفهم .. و قلت له بالله عليك من أخبرك .. فقال تلفوني شغال طوال الوقت .. بالتسبيح و الإستغفار و الذكر و( الصلاة على سيدي رسول الله ) صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يخرج نَفَس من رئتي عبث من أجل التنفس فقط . بل هي أذكار و صلاة على رسول الله ) تجلو القلب و ترقي النفس فتسمو الحياة بصحبتهم فأجد أثر مودتهم .. لذة و نور و صفاء و معرفة .. ثم قال لي .. الم تقرأ في كتابه الكريم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. و أتقوا الله و يعلمكم الله .. ثم قال العقل بالقلب .. بسم الله الرحمن الرحيم .. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .. إن الله لا ينظر الى أجسامكم و لا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم .. فَتَحرى (مكان نظر الله) .. ثم قال لي والدتك حفظها الله .. ألا تشعر بمرضك و تعبك و خوفك و معاناتك بأي أمر .. رغم بعد المسافة بينكم فقلت له نعم .. فقال الم تقل لك يوم بأن قلبها أخبرها بأنك ستأتي إليها أو ستغيب عنها .. فقلت له نعم .. فقال كذلك هو قلب المؤمن يصفو بالذكر و يدرك ما يحب .. فإذكروني أذكركم .. فذكر الله .. علم و نور و فراسة و حكمة و إلهام و معرفة و إتصال و فهم و إدراك .. تم

Wednesday, 31 March 2021

الفنان محمد حسين عبد الرحيم.. بسمة العراق

 


بقلم المستشار عبد العزيز بدر القطان


نجم عربي فلسطيني عراقي، فنان مبدع، بدون مبالغة يليق به وصف "بسمة العراق"، على الرغم من جراحات العراق والظروف الصعبة التي ألمّت بها، لكنه استطاع أن يدخل البهجة والسرور إلى داخل كل بيت عراقي وعربي دون حدود مصطنعة استعمارية، ليكون يوم الأرض عربي أولاً وأخيراً.


وفي يوم الأرض، إن فرقتنا السياسة والمخططات الاستعمارية لا بد أن توحدنا الأديان والثقافة والفنون والأدب والإبداع، نحن عرب من المحيط إلى الخليج، وكلنا أخوة وأهل، لا فرق بيننا، ولن نقبل بتفرقتنا يوماً وما حدودنا إلى حدود مصطنعة، بالفن يدخل الفلسطيني إلى قلب كل بيت عربي، ويدخل الكويتي والسوري والسعودي واليمني والعراقي والتونسي وكل البلاد العربية إلى كل بيت، في يوم الأرض كلنا عرب وجنسيتنا الأولى العروبة ومن ثم الباقي تفاصيل.


الفنان القدير محمد حسين عبد الرحيم، سكن العراق لا بل سكنت قلبه منذ العام 1974، كما كل البلاد العربية، حيث كان يتكلم بوجع كل الأمة العربية وبخاصة العراق وفلسطين وطنه الأم، مع الإشارة إلى أن الكثير من العراقيين، لم يكونوا على علم بأنه فلسطيني الأصل، وهنا يكمن إبداع الفنان الذي يجل ويقدر كل البلاد وكيف وإن سكن بغداد السلام وبغداد المنصور، العراق الجميل. لقد كان هذا الفنان كما أشرت بسمة العراق عندما كان يتعرض لأقسى ظروفه من كافة النواحي، فكان بالنسبة له بسمة وحمامة سلام وكلمة لطيفة تخفف معاناة هذا الشعب الصامد على كل الجور الذي لحق به، لقد كان يخاطب الوجدان والأرواح والضمير العربي من خلال أعماله الجميلة.


الفنان المبدع محمد حسين عبد الرحيم كان يمسح على قلوب البسطاء والكادحين والفقراء، من خلال تجسيده لأدوار كثيرة منها، شخصية الفلاح العراقي، والمواطن العربي وغير ذلك من الشخصيات التي تلامس الشرائح كافة وبخاصة تلك التي تعاني، لذلك دخل كل القلوب دون استئذان، هذا الفنان الأصيل، يرقد الآن على فراش المرض، ومن على هذا الفراش، لا يقوى على النهوض، لكنه طلب ما شعر بأنه قد يكون حق له، وهو طلب الحصول على الجنسية العراقية من رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، رغم يقينه بأن الدول العربية لا تمنح الجنسية ليس من باب التقليل من الفلسطيني، بل لضمان حق العودة إلى الوطن فلسطين.


وهنا أقول للفنان محمد حسين عبد الرحيم في يوم الأرض، أنت فلسطيني وأنت عراقي وأنت ابن الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، وأنت تستحق كل الجنسيات العربية ليس فقط العراقية، ولقد أكرمنا القدر بزيارة هذا الفنان الكبير في إحدى مواقع التصوير في مدينة بغداد الجميلة، عاصمة الثقافة والفن والأدب والفقه والشعر وكل شيء، هو وطاقم العمل حينها، لم ألحظ إلا تلك الابتسامة الجميلة والروح الأجمل، وتلك الأخلاق الراقية عندما يحبك يأبى أن تترك يديه يداك لو لدقائق معدودة، فكانت حفاوة منقطعة النظير هو وفريق العمل من بينهم الفنانة العراقية الجميلة هناء محمد، وقلت لهم إن لهم الفخر أن تقفون أمام قامة فنية كبيرة وشخصية مثقفة وخلوقة وجميلة مثل الفنان محمد حسين عبد الرحيم، صاحب القلب الكبير، يسكن هذا القلب براءة طفل نقي.


من يستعرض تاريخ هذه القامة الكبيرة، يجد كل ما وصفته به خلال مسيرة أعماله وحياته بل أكثر من ذلك، لكن المؤلم هنا، أن يطلب أي شخص سواء كان فنان أم لا مكرمة أو منحة أو جنسية أو جائزة والتي من المفروض أن تقدم له بحفاوة كبيرة كتقدير صغير على الجهود الكبيرة التي قدمها للصالح العام، وليس لصالحه أو مجده الشخصي، وهنا استحضرتني على الفور، تغريدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جاء فيها: "بتوجيهات من رئيس الدولة حفظه الله.. اعتمدنا تعديلات قانونية تجيز منح الجنسية والجواز الإماراتي للمستثمرين والموهوبين والمتخصصين من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم.. والهدف هو استبقاء واستقطاب واستقرار العقول التي تساهم بقوة في مسيرتنا التنموية".


لكن السؤال هنا، لماذا لا يتم ذلك في الدول الأخرى، مع الإشارة إلى أن سوريا كانت السباقة في هذا الشأن ومنحت العديد من الشخصيات الجنسية السورية من بينهم فنانين وفنانات من فلسطين من أمثال الممثلة الجميلة نادين سلامة والفنانة الفلسطينية شكران مرتجى، وبالعودة إلى القرار الإماراتي الذي خصص جنسيته للمبدعين أياً كان تخصصهم، فما بالكم الفنان محمد حسين عبد الرحيم الذي عاش عقود وهو يقدم للعراق والشعب العراقي، هل يحتاج أن يطلب الجنسية أم أن تقدم له بعرفان وتقدير كبيرين! 


وهنا لا بد من القول إن قيود السفر المفروضة على الجميع بسبب الجائحة العالمية، ولولاها لكنت الآن إلى جانب هذا الفنان الجميل وما فارقته أبداً، لأنه بدون مبالغة بسمة العالم العربي وأمل فلسطين، لذلك أعتذر منه أني لم أتمكن من الحضور ولتكن الاتصالات دائمة لاطمئنان عليه، خاصة وأن سرّ كثيراً باتصالي به، وأنا نقطة في بحر عطائه.



لكن ما أود قوله، ومما ذكرته آنفاً، ليس إلا ذكر حقيقة هذا الشخص وما هو عليه، وبالتالي إلى متى العيش بهذه العقلية يتم تكريم الشخص بعد وفاته، وإن كان حياً يرزق يتم تجاهله؟ وإلى متى يتم العيش بهذه العقلية العشائرية البدوية؟ ولا نجد هناك احترام للفن والثقافة! 


الفن اليوم جزء من حياتنا، ومن هويتنا ومن ثقافتنا، شئنا أم أبينا، ويعيش بيننا رموز كبيرة قدموا أعمال كثيرة رائدة خلال عقود من الزمن، لكن المؤكد أن الفن إبداع مستقل بنفسه، وهو مستقل عن السياسة، والفن في طرق ما ربما عابر للقارات، لكن المؤكد أنه يخترق الوجدان والعواطف والروح، خاصة أولئك الذين أبدعوا في ذاك الزمن الجميل، وكانت بسمتهم حقاً نظيفة وتطرب الفؤاد، وهنا أستذكر مسرحية للفنان محمد حسين عبد الرحيم بعنوان "فناتق" في العام 1989، مع الفنان المصري وحيد سيف والأستاذة الراحلة أمل طه، وداوود حسين، وعلي جمعة وصالح الباوي وغيرهم من فناني الزمن الجميل، وشخصياً شاهدت المسرحية مرتين أو ثلاث مرات، لذلك من كل قلبي أتمنى لمحمد يوسف حسين الشفاء وأن نرى أعمالك على كل المسارح العربية، وشاشات التلفزيون.


محمد حسين عبد الرحيم، نأمل أن نراك قريباً وأمورك اكثر من رائعة، وأن يكون ما ألمّ بك مجرد سحابة صيف عابرة، وما تشعر به ليس مرضاً بل هو "استراحة محارب" ومن ثم تستأنف حياتك الطبيعية وتقدم لنا روائعك كما عودتنا من بسمة ونكتة وطرفة وأعمال فنية جميلة، ولا زلت أذكر عملك العام الماضي "1+1" مع الفنان الكبير قاسم الملاك، في شخصية الأسطه فايق، وكنت مبدعاً كما عودتنا وكنت متألقاً وجميلاً، كنت كما كنت دائماً الفنان الكبير العربي محمد حسين عبد الرحيم.


*كاتب ومفكر – الكويت.




Thursday, 18 March 2021

حراك دولي بعنوان سوريا

 

"خميس بن عبيد القطيطي: حراك دولي بعنوان سوريا - رأي اليوم" 

تصدرت سوريا خلال الأيام المنصرمة عناوين الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وذلك في أكثر من عاصمة خليجية وعربية وبمشاركة روسية تركية، وقد صدرت من عواصم هذه الدول مواقف إيجابية صاغت تلك اللقاءات، أبرزها عودة سوريا إلى الحضن العربي والذي اتفق الحديث حوله باجتماعات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في كل من الرياض وأبوظبي، وتطرق الحديث إلى قانون قيصر وإعادة النظر فيه لما يمثِّله من معضلة كبرى أمام الشعب والدولة في سوريا. وقد تزامنت تلك التحركات الدبلوماسية الروسية في أبوظبي والرياض إلى جانب اجتماع ثلاثي شهدته الدوحة وضم وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، وكل تلك الاجتماعات تصب في اتجاه سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك حضور للولايات المتحدة في تلك الاجتماعات وهي التي تمتلك أكثر من خط تأثير في سوريا سياسيا واقتصاديا وعسكريا؟ ولماذا اختيار هذا التوقيت بالذات؟ وماذا تخفي هذه التحركات الدولية وراءها؟؟

بالطبع الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه التحركات الدبلوماسية الدولية، وإن لم تتواجد فيها، لأن التواجد الأميركي بالملف السوري واضح للعيان، وكل التحركات الدبلوماسية المتعلقة بسوريا معنية بها الولايات المتحدة من قريب أو من بعيد طالما كانت هي أحد أهم المؤثرين بالمشهد السوري. ولكن الأهم والأبرز في التحولات التي صاغت المشهد السياسي الراهن والتي جاءت جملة واحدة في هذا التوقيت هو التغيُّر الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن والذي يختلف في ملامحه عما سبقه، فهذه التغيرات بلا شك أنها تضع المصالح الأميركية العليا في مقدمة الأولويات، ولكن حسب الرؤية الديمقراطية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن قبل أيام، والتي تعتمد على دعم حقوق الإنسان وحقوق الملكية الفكرية، وحرية التعبير كقِيَم عليا تنحو نحوها إدارة الرئيس بايدن الحالية، مع تجنب الحروب الاستباقية وتغيير الأنظمة التي لا تزيد الأوضاع إلا سوءا، خصوصا في ظل تزايد الإرهاب والفوضى التي تعقبها والتي يراها بلينكن ستطول شظاياها الجميع أو سيغرق فيها الجميع، وهي الرؤية التي يحاول البيت الأبيض تقديمها اليوم .

كيفية إسقاط هذه الرؤية على الملف السوري هنا بيت القصيد الذي لا نستطع الجزم بمدى جدية تلك الأطراف الفاعلة فيها، أو المنابر المتحدثة عنها، أو بالأحرى إلى أين تمضي تلك التحركات؟ ولكن وجود الحليف الروسي على خط هذه الجهود الدبلوماسية والتصريحات التي صدرت تقدم تطمينات ومواقف إيجابية في أكثر من خط من خطوط التأثير على المشهد السوري، منها اللجنة الدستورية أو عودة سوريا لجامعة الدول العربية أو البحث في إنهاء ما يسمى قانون قيصر عن سوريا، إضافة إلى استكمال عودة أبناء سوريا إلى الوطن، وكذلك أهمية الحوار السوري في ظل هذه المعطيات .

التغيير في الملف السوري بالتأكيد يرتبط بملفات إقليمية أخرى، منها إيران واليمن ولبنان ويصل إلى ليبيا وأفغانستان، ولكن لا يمكن لنا الإفراط في الثقة أو تقديم صورة وردية لما تسفر عنه الأيام القادمة؛ لأن الأولويات والمصالح العليا الدولية لم تتغير، إلا أن الرؤية السياسية والمعالجات على أرض الواقع قد تشهد بعض التغييرات الإيجابية من خلال الصورة العامة، ولكن مع الحفاظ على المصالح العليا، وهو ما تحاول الدبلوماسية الروسية اقتناصه في أكثر من ملف وأهمها الملف السوري .

Friday, 19 February 2021

رغد صدام حسين .. التاريخ يُكتب لكن لا يعود




 رغد صدام حسين .. التاريخ يُكتب لكن لا يعود


عبد العزيز بدر القطان


استضافت قناة العربية، السيدة رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث كشفت في هذا اللقاء رغبتها في لعب دور سياسي قادم في مستقبل العراق الجديد، إضافة إلى مناقشة الوضع العراقي الراهن.


رؤية موضوعية


كنت من الأشخاص الحريصين جداً على متابعة اللقاء الخاص بالسيدة رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومن يريد بناء تحليلاً جيداً، عليه قراءة التاريخ المعاصر قراءة جيدة ومعاصرة، من خلال قراءة جميع الآراء، المؤيدة والمعارضة، وأن يتسم بالموضوعية لا أن يحلله من وجهة نظر واحدة والأهم الابتعاد عن العاطفة، وبالتالي، هناك من انتظر هذه المقابلة وهناك من لم يهتم، وهناك من أطلق سيل من الشتائم، وهناك من حنّ إلى زمنٍ جميل، ما يعني أن هذا الأمر جزء من تفسير حالة انقسام المجتمع الواحد ليس عراقياً فقط، بل حال الأمة العربية وغذائها هو الانقسام، يرون في التاريخ، موقعاً لتصفية الحسابات.


الآن وبموضوعية نسبة المشاهدة كانت مرتفعة جداً، لـ "البرومو" فقط، ومن يعرف السيدة رغد صدام حسين منذ اعتقال والدها، وخلال لقاءاتها التلفزيونية، يلاحظ أنها امتازت إلى أن تكون شخصية دبلوماسية أكثر منها سياسية، مع التأكيد على أن وجهة نظري كباحث أتطرق إلى طرحها بموضوعية، بعيداً عن العواطف، وقدر هذه السيدة أنها كانت ابنة رئيس دولة بحجم العراق، وكل كلامها عن والدها، نقل مشاعر من ابنة حول أبيها، وعلاقة الأبوة، بعيداً عن أي دور سياسي أو ريادي أو قيادي، ومن الطبيعي لأي إنسان في مكانها أن يكون المناصر والمدافع الأول عن والده، حتى أخويها (عدي وقصي صدام حسين بحسب الرواية الرسمية المشهورة آنذاك، أنهما كانا من المشاركين باغتيال زوج أختهم رغد، حسين كامل وأخوه صدام كامل)، لم تأتِ على ذكر أي أمر سيء، بل حمّلت شيء من مسؤولية تدهور الحالة العراقية إلى أبناء عمومتها إلى حدٍّ ما، وتحديداً ابن عم والدها "علي حسن مجيد وزير الخارجية ونائب رئيس مجلس الوزراء في عهد الرئيس صدام حسين ".


ترويج لا مضمون


تتسم شخصية السيدة رغد صدام حسين بالقوة، وكما هي قالت في المقابلة أنها تحمل "جينات والدها"، ولديها رباطة جأش عالية، وذكاء وفطنة، ولم تكن مصطنعة في شخصيتها، لأنها كانت تتكلم بعفوية واتسمت مقابلتها بالهدوء والابتعاد عن الانفعال، وكانت تنتقي كلماتها بدبلوماسية عالية وذلك لأسباب مهمة، منها عدم إحراج الدولة المستضيفة لها، أي المملكة الأردنية، فهي ممتنة لكرم الأردن ولا تريد أن تسبب أي إحراج للملك عبدالله الثاني أو الحكومة الأردنية، أيضاً راعت في هذه المقابلة أنها ظهرت إلى الساحة عبر قناة مملوكة للمملكة العربية السعودية، بمعنى أنها لا تريد أن تسيء إلى أي دولة من دول الجوار، باستثناء إيران التي وصفت حضورها في المشهد العراقي على أنه "استباحة" على حد تعبيرها.


من شاهد اللقاء، لن يُخفى عليه، أنها مدروسة بعناية من جانبها، أرادت إيصال رسائل معينة للداخل العراقي، وقالت أن شخصية والدها اتسمت بشيء من القسوة وأحياناً قسوة مفرطة، لكن من الأخطاء الكبيرة في المقابلة، من المذيع إلى الإعداد إلى نوعية الأسئلة، هناك ضعف إلى حدٍّ ما، لا يليق بالمراحل التي سيتم الحديث عنها، فكان القفز سمة أساسية من فقرة إلى أخرى، من حياتها في الداخل العراقي، ثم في الخارج ثم عن مشاعرها حيال والدها، الحوار أصلاً لم يكن متسلسلاً، بل أنّ المحاور كان يقفز بالمواضيع من منطقة إلى أخرى، هذا النوع من الطرح كان أقل من مستوى الضيف، والتاريخ الذي سيتم تداوله في هذا اللقاء، فكل مرحلة من المراحل تحتاج إلى تحضير كبير، لأن هذه الشخصية جزء من تاريخ العراق، من الناحية السياسية خاصة وأن والدها محط جدل في الداخل العراقي وعلى صعيد الخارج والمحطات التي حدثت، فهناك من يكره الرئيس العراقي صدام حسين وهناك من يحبه، وهناك من يراه ديكتاتور وخائن العرب وآخرين يرونه بطلاً قومياً، وسيف العرب، ما يعني أن لا إجماع تاريخي حول هذه الشخصية حتى ما بين العراقيين أنفسهم وبالتالي اللقاء لم يكن موفقاً على عكس الإعلان عنه مقارنةً بلقاءاتها الأقدم.


لكن في علم لغة الجسد، عرفت السيدة رغد صدام حسين كيف تتعامل مع هذا الأمر سواء بجلستها أو طريقة لباسها، ووضعها لـ "البروش" المتعلق بالعراق، فهي تعلم جيداً كيف لها أن تتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي في خطاباتها رغم أنها ليست سياسية، لكنها كانت ذكية جداً في مناوراتها الدبلوماسية.


لماذا الآن؟


إن المقابلة الآن والترويج السابق لها أتى في وقت حساس بالنسبة للداخل العراقي، حيث أن العراق يمر بأسوأ ازمة اقتصادية شهدتها البلاد إضافة إلى أزمة الفساد الضخمة، وتوقيت انتخابات، والأسوأ انه يمر بمؤامرة دولية في قضية تقسيم العراق، فالشعب العراقي أمام منعطف تاريخي خطير، فحقبة الرئيس صدام أفضل من ظروف الآن حتى وإن كانت نظرة قسم كبير من العراق تجاهه بأنه ديكتاتوري.


وبالتالي، إن المراد من هذه المقابلة، للولايات المتحدة دور فيها بعيداً عن الضيف والذي هو السيدة رغد صدام حسين التي يريدون من خلالها إثارة الداخل العراقي أكثر مما هو عليه، خاصة عندما تم سؤالها إذا ما كانت تخشى من التقسيم وكان جوابها أنها تخشى ذلك، وهو أمر أشرت إليه مع بداية تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن صاحب فكرة فدرلة العراق عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لتكون المقابلة عبارة عن ورطة للسيدة لأنها أساساً ليست سياسية ولا تتمتع بالخبرة السياسية حتى وإن كانت ابنة رئيس العراق الراحل، فكان المفترض أن تتكلم في ملفات محددة تقتصر على فترة حياة والدها، كما كانت تفعل السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي كانت تتكلم عن زوجها الراحل بعيداً عن تفاصيل الدولة.


اما مسألة أن ترسل الحكومة العراقية كتابي احتجاج للحكومتين الأردنية والسعودية، فهذا أمر غير مبرر، لأن الدستور العراقي والجمهورية من المفترض أنها ديمقراطية لا يجب ان تتدخل في مثل هكذا أمور، فمن حقها كمواطنة عراقية أن تخرج إلى الإعلام وتتحدث بما تريدـ حتى نيتها للترشح رغم أني لا أرى أنه مفيد أو سيخدم أو يقدم لها شيء، لأن ذلك وإن حدث سيكون استغلال لاسم والدها للزج بها في هذا العالم التي ذكرت أنها بعيدة كل البعد عنه.


أخيراً، الرئيس صدام حسين كان قدر العراقيين لمدة 33 سنة، وانتهى هذا القدر، وانتهى هذا النظام، فذاك التاريخ انقضى، واليوم العراق، عراق آخر، أسوأ أو أفضل، ليس هذا الأمر، بل إن تلك الحقبة صفحة وطويت من تاريخ العراق، لكنها محفوظة في ذاكرتهم بحلوها ومرها، فالحديث عن صدام حسين لن يعيده رئيساً للعراق اليوم، فمن حق الابنة على أبيها أن تعبر عن مشاعرها، وهذا ما كان يجب على رغد صدام حسين أن تفعله.


*كاتب وباحث – الكويت.

Saturday, 23 January 2021

برداً وسلاماً على العراق الجريح.. بلد السلام المفقود


 

عبد العزيز بدر القطان 

في أول يوم للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في البيض الأبيض، شهدت العراق تفجيرين انتحاريين بأحزمة ناسفة وسط سوق شعبي في ساحة الطيران وسط العاصمة العراقية بغداد، والمفارقة العجيبة، أن الرئيس الجديد وعندما كان ضمن فريق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان من مشجعي ومؤيدي لا بل من أصحاب فكرة تقسيم العراق، وكأن لا يكفي ما حصدته العراق منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا.


هذا التفجير وارتباطه بحدث تصيب بايدن، يعيدنا بالذاكرة إلى الخونة من الساسة العراقيين قبيل العام 2003، الذي خانوا العراق وخانوا شعبهم وكانوا من مشجعيّ الغزو الأمريكي على بلدهم، والجميع يعلم الذريعة الواهية التي أزهقت أكثر من مليون شهيد عراقي، وقافلة الشهداء مذاك لم تتوقف، وبالتالي دم هؤلاء الشهداء برقبة هؤلاء الخونة الذين جلبوا الأجنبي ليقتل شعبهم قبل أن يكون برقبة أي متعطش أجنبي لدماء الأبرياء.


لنتأمل هذا التفجير الذي طال الناس البسيطة أو كما يُقال "على باب الله" تحاول تأمين لقمة عيشها بشرف، ساعون لرزقهم، يريدون وطن يحضنهم لا يقتلهم، هؤلاء الأنقياء لا يجب أن يخضعوا للمتاجرات السياسية ولا لأي طرفٍ كان، ما ذنب من تيتم وما ذنب الأم التي فقدت ابنها او الزوجة التي ترملت أو أو أو، في بلد النفط والخيرات العراق انظروا ماذا حدث وما يزال يحدث، وهذا المشهد مكرر في كل البلاد العربية التي تطالها يد الغدر وهم محرومون من خيراتهم بينما الأجنبي سرقها وأبى أن يُبقي لهم حتى حياتهم.


هذا التفجير رغم أني تسائلت كثيراً، لكن أعيد السؤال على مسامع الجميع، لماذا كل شيء في هذه الحياة غالٍ، إلا الدم العربي والمسلم تحديداً؟ ألم يشبع سماسرة الحرب والمتاجرين بالإنسان من الدماء؟ هل بات اليوم تحصيل المكسب السياسي لا يتم إلا عبر أشلاء الأبرياء في العراق وغيرها؟ لقد تعاقب على البيت الأبيض منذ الغزو الأمريكي لهذا البلد الجميل عدد من الرؤساء وتراهم يقيمون الاحتفالات فرحاً وفي بلادنا العربية والإسلامية هناك العشرات يومياً يسقطون غدراً وإرهاباً لصالح البيت الأبيض! فهل يجوز أن نسميهم قرابين لحكم هؤلاء!


أين الإنسانية؟ 


انظروا إلى أطفال سوريا واليمن وفلسطين والعراق خاصة المهجرين منهم وهم المنتشرين في مخيمات الدول في هذا البرد ألا توجد وسائل تدفئة لهم سوى التفجيرات بينما الغرب ينعم بخيراتنا ويأخذ كل شيء منّا غصباً، فهم ضحايا الحروب وسماسرتها، لأجل مصالح دنيوية ضيقة، الدم العربي ليس رخيصاً، اتركوه يحيا بسلام، محزن ما يحدث وحدث في بغداد من جروح يأبون لها أن تندمل، مدينة السلام والرشيد والمنصور والعلماء والمحدثين والقرآن الكريم والإسلام والفتوحات لا سلام فيها، إنها مدينة المأمون وأبي حنيفة النعمان ومدينة علي بن أبي طالب والحسين موسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا عليهم السلام، ومدينة الأئمة والصحابة، مدينة أنس بن مالك والحسن البصري وبن سيرين، والكثير الكثير الذين لا يستع المكان لذكرهم.


أربعون عاماً العراق ينزف ويموت، فتفجير الأمس بالتزامن مع تنصيب بايدن ما هو إلا فاتحة لتقسيم هذا البلد، والفوضى الحاصلة خير دليل، وعندما نستمع للتحليلات كل منهم يلقي على الآخر، فهذا يقول الولايات المتحدة وما يسمّى "إسرائيل" هي المسؤولة، وذاك يقول إيران، وذاك يتهم الخليج وتركيا، وآخر يرى أن التفجير لغاية انتخابية، لكن اقول إن المسؤول "غفلتنا" لأننا نحن من قسمنا أنفسنا عندما تحزبنا وانقسمنا مذهبياً إلى صفوف متناحرة وبالتالي ضاع الوطن، فالرئيس الأمريكي الجديد أصبح صاحب سلطة سيحقق مشروعه القديم بتقسيم هذا الوطن الجريح، وبكل أسف ومرارة سيحقق ذلك، بدءاً من الفوضى ثم الطائفية كما العام "2006"، ولن يغادر بايدن الحكم حتى يتم خطته الصهيو – أمريكية وانظروا إلى فريقه في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة قبل، جل الفريق من اليهود، وهذا الوقت المناسب بعد أن تمكنت المحاصصة الطائفية من الدولة وانتشر الفقر والفساد، والعبث.


ما يعنيني هنا هو الإنسان الغالي عند الله تبارك وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم"، لكن في هذه السنوات العجاف الإنسان رخيص جداً، كل السياسيين يرقصون على جراحات الأمة العربية والإسلامية وأشلاء الإنسان.


الأجندة الأمريكية


في دراسة قديمة أجراها معهد واشنطن، تتحدث عن العراق في عهد صدام حسين، حول الإطاحة بنظامه ضمن مقاييس أمريكية، منها عدم تخفيض العقوبات أو إلغاء الحصار أو تقليصه (النفط مقابل الغذاء)، ما دام صدام على رأس السلطة، وبالتالي سيكون حلفاء أمريكا أكثر تقبلاً لتصديق الدعاية الأمريكية فيما كان يتعلق بنشاطات لجنة نوع الأسلحة العراقية غير التقليدية وكانت بداية تدمير العراق عملياً، قبيل الغزو بسنوات كثيرة، لقد ذكر تقرير في المركز: "بجب أن تتسم السياسة الأمريكية بالوضوح مع استعداد للرد بقوة على الدولة العراقية، اعتقاداً منا بحتمية قرب المواجهة المستقبلية مع صدام، فمن الأفضل جداً للولايات المتحدة أن توضح أهدافها وتأخذ زمام المبادرة الآن وأرصدتها الإقليمية قوية".


وبصرف النظر عن تقييمي للنظام ما قبل 2003، لكنه كان قوياً، والقاصي والداني يعلم ذلك جيداً، فلقد كان يرعب المنطقة، ما بعد 2003، ترى البعض يروج لمشروع "2006 – 2014"، عندما كانت الحكومة العراقية من لون واحد، لكن الخشية اليوم أن يعود الاقتتال الطائفي ويسبح البلد في برك شلالات دم أبناء الوطن الواحد، اليوم هناك اختراق استخباراتي عالمي بيننا يعمل على التغيير الديموغرافي "الصهيوني" القديم الجديد للمنطقة وتحقيقه لا يتم إلا بضرب المكونات وتهجيرها، فالحذر مهم من الحرب الطائفية التي يدلل عليها تفجير الأمس، اليوم لدرء هذا الخطر يجب تقوية الجبهة الداخلية من خلال تقوية الاقتصاد الداخلي ودعم المنتج الوطني، وأنا كخبير بالقانون ومعرفة واسعة بالدساتير العالمية، العراق يحتاج إلى تعديل فقرتين مهمتين في دستوره، الأول، هو إبعاد رجل الدين عن السياسة في المشهد العراقي، لا فصل الدين عن السياسة، والتعديل الثاني في ظل الظروف الحالية، لا بد من أن يكون في الدستور العراقي قانون يجرم الطائفية كما في سلطنة عمان، وغيرها من الدول التي تحارب الطائفية بكل أشكالها.

 

يقول هنري كسينجر: "نحن نصدّر الأزمات، ونحن نديرها"، لكن بالمحصلة الناس هم الضحايا في عبث السياسة، لنصبح أرقاماً في حساباتهم الدنيئة، السيادة منقوصة في كل البلاد العربية التي تعيش كذبة الاتفاقيات للدفاع المشترك والحماية فعلى أرض الواقع لا وجود لها، الأمن والأمان نعمتين مفقودتين لأن لا سيادة قائمة وسط السماح لأجندات الغير تقرير مصائرنا.


أخيراً، لا بد من تكرار سؤالي، إلى متى نقبل بالهوان ونسمح بقتلنا، حتى كرامتنا أسقطوها عندما جوعوا الإنسان العربي، نتكلم اليوم بصوت الفقراء والبسطاء الذين يملكون أوطاناً غنية ولا يجدون المأوى، هذا برسم السياسيين الذين يحتاجون هؤلاء البسطاء لانتخابهم، كذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان "الديكور" التي لا تهتم إلا بحقوق الإنسان الغربي وأما الإنسان العربي والمسلم لا حقوق له، أنت السبب يا من سمحت لهم ان يغتالوا فيك الإنسانية والعروبة، أنت السبب، لأننا كنا وقود مشاريعهم، اليوم عروبتنا عوراء وإسلامنا ناقص متخندق بالمذاهب، وتركنا الدين وابتعدنا عن الله تبارك وتعالى، أنت المسؤول أيها العربي وأيها الطائفي، أنت المسؤول.


اليوم نحتاج إلى مشروع أمة لنحمي أوطاننا، لنضع خلافاتنا جانباً، ونحمي بلادنا، الغرب لن يحمينا وجوه فقط ليدمرنا ويسرق خيراتنا، فالإصلاح لن يتحقق إلا بأيدٍ وطنية إسلامية عربية مخلصة للوطن ودستوره. برداً وسلاماً على العراق السلام، تعازينا الحارة لعوائل الشهداء، ونأمل أن ينهض العراق مجدداً ويعود أقوى مما  – الكويت.